الرسائل البحرينية في المسألة الشيعية (13) :: 1 ديسمبر 2011م

شيعة البحرين والاستقواء بالخارج.. يا له من تاريخ حافل

يخطئ من يظن أن استقواء الشيعة في البحرين بالخارج، أمريكا وبريطانيا تحديدا، هو وليد الأحداث الإرهابية التي شهدناها ابتداء من 14 فبراير 2011م.

القصة طويلة، والاستقواء بالمستعمر والمحتل الأجنبي له سجلّ حافل، بدأ منذ بدايات القرن الميلادي العشرين.

 

أولا: الاستقواء بالاستعمار القديم (الإنجليز)

كانت البداية في عام 1918م، عندما وصل (الكابتن نورمان براي) إلى البحرين ليتسلم عمله كوكيل سياسي معتمد لبريطانيا. وفي السنة التالية (1919م)، أرسل رسالة إلى رؤسائه يقول فيها: "يجب تأسيس وتشجيع حزب يؤيّد بريطانيا"!! (انظر: البحرين.. قصة الصراع السياسي، تأليف مشترك بين محمد عبد القادر الجاسم وسوسن الشاعر، ص50)

وفي عام 1920م، وصل إلى البحرين (الميجر ديلي) كوكيل سياسي جديد لبريطانيا في البحرين، وأخذ في إقامة روابط خاصة مع الشيعة، واستقبل وفدا شيعيا يضم خمسين شخصية رفعوا إليه عريضة تأييد لبريطانيا مع بعض المطالبات. ثم حث الشيعة على مقاطعة الحكومة وطمأنهم وقال لهم: "إذا لم تجدوا سلاحا فنحن نعطيكم السلاح لتثأروا منهم"!! (أنظر: عقد اللآل في تاريخ أوال، للمؤرخ البحريني الشيعي محمد علي التاجر، ص153)

ومن ضمن المراسلات التي سجلها التاريخ بين الطرفين (المتحابّين) الإنجليز وشيعة البحرين، رسالة من (عموم أهالي جزيرة سترة) إلى (الميجر ديلي)، بدأها شيعة سترة بعبارة: "إلى جناب الأكرم الحميد ذو الرأي السديد والمنصف الرشيد شيخنا ومعزّنا الميجر ديلي"!!! (أنظر: سبزآباد ورجال الدولة البهية، تأليف ميّ محمد الخليفة، ص437)

وبالمناسبة، أنظر ما يقوله السياسي والأديب أمين الريحاني بشأن هذا المجرم (ديلي): "هذا الرجل مكروه، ولا غٍرو فهو يكره العرب ويزدريهم ويقاوم كل فكرة إصلاح في الجزيرة (يقصد البحرين) غير التي يكون له فيها الكلمة الأولى والأخيرة. ولا يرى حقا في غير القوة ولا عدلا في غير سياسة العسف والاستبداد". (ملوك العرب، تأليف أمين الريحاني، 2/290)

ولما اندلع الصراع السياسي بين الإنجليز والحاكم الشيخ عيسى بن علي عام 1923م، وقفت النخبة السياسية المثقفة بقيادة الشيخ عبد الوهاب بن حجّي الزيّاني وأحمد بن لاحج مع الحاكم بالرغم من مآخذهم عليه، مراعاة للمصلحة الوطنية، وتفضيلا للحاكم المحلي على المستعمر الأجنبي، بينما وقف الشيعة إلى جانب الإنجليز! (انظر: البحرين.. قصة الصراع السياسي، ص46)

وكان انحياز الإنجليز إلى جانب الشيعة في هذه المعركة السياسية التي انتهت بعزل الشيخ عيسى بن علي فاضحا لدرجة أن (المقدّم نوكس)، المسئول البريطاني في كل منطقة الخليج أرسل برقية إلى لندن يقول فيها: "لا أعتقد أن الحقائق كلها قد عرضت على حكومة صاحب الجلالة، وإنني متأكد من أن وجهة نظر السنّة من أهل البلاد لم تؤخذ بعين الاعتبار". (وثيقة بريطانية رسمية، برقية رقم 421 المؤرخة بتاريخ 9 مايو 1923م)

وفي يوم 19 يونيو 1923م، وقع شجار عنيف بين أهل السنة من قبيلة الدواسر ومجموعات من الشيعة، أسفر عن قتلى وجرحى، فوقف الإنجليز فورا بجانب الشيعة، وضيقوا الخناق على الدواسر حتى اضطروا للهجرة إلى الدمّام.

وفي يوم 4 فبراير 1935م أرسل المستشار البريطاني في البحرين (المستر بلجريف) إلى رؤسائه يطالبهم بتلبية مطالب الشيعة، ويلمّح إلى إمكانية أن يلجأ الشيعة إلى (وسائل أخرى) للحصول على مطالبهم. (وثيقة بريطانية رسمية، برقية بلجريف المؤرخة في 4 فبراير 1935م)

وفي يناير 1938م قامت حركة شعبية مطلبية شارك فيها السنّة والشيعة واستمرت معظم شهور السنة. ولكن الشيعة خانوا القضية واتصلوا بالإنجليز مبدين لهم بعض المطالب الفئوية، وأصبح السنّة لوحدهم في وجه المدفع! فقد ألقى الإنجليز القبض على قادة الحركة من السنّة (أحمد الشيراوي وسعد الشملان) يوم 5 نوفمبر 1938م وتركوا قادة الشيعة أحرارا!! فقام عمال شركة النفط من السنّة بالإضراب عن العمل في اليوم التالي (6 نوفمبر 1938م)، ورفض الشيعة المشاركة في الإضراب بالرغم من الجهود المكثفة التي بذلت لإقناعهم بالمشاركة. (انظر: البحرين.. قصة الصراع السياسي، ص188)

وضمن أحداث عام 1954م، وبعد أن قُتل بعض الشيعة أثناء محاولاتهم اقتحام قلعة الشرطة في المنامة، خرج الشيعة في تظاهرة تالية وقد لفوا موتاهم بالعَلَم البريطاني، وأخذوا يهتفون بسقوط آل خليفة وبحياة بريطانيا!! (انظر: من البحرين إلى المنفى، تأليف عبد الرحمن الباكر، ص290)

 

ثانيا: الاستقواء بالاستعمار الجديد (الأمريكان)

كان للإرهابي حسن مشيمع دور بارز في الاتصال بالأمريكان وتحريضه لهم ضد وطنه وطلب النصرة منهم!.. ففي محاضرة له في مسجد الإمام الصادق بالقفول بتاريخ 1 سبتمبر 2006م تكلم عن زيارته لأمريكا فقال: "كانت هناك أيضا لقاءات مهمة مع جهات متعددة في واشنطن وأيضا في لندن.. في واشنطن كانت هناك لقاءات كل يوم معدّل ست لقاءات لنا مع شخصيات بارزة". (انظر: البحرين بركان على جزيرة، تأليف أحمد فهمي،ص294)

 

وجاءت فضيحة وثائق ويكيليكس عن علاقة الشيعة بالسفارة الأمريكية والارتباط الدائم والوثيق بين السفارة وجمعية الوفاق. فقد نشرت جريدة (أخبار الخليج) دراسة في ثلاث حلقات للكاتب السيد زهرة (بعنوان: الجماعة في السفارة)، كشف فيها -نقلا عن وثائق ويكيليكس- مدى عمق العلاقة وحميميّتها بين الطرفين!.. ومن العناوين التي جاءت في الدراسة:

الشيخ على سلمان يطالب بضغوط أمريكية لدفع الديمقراطية.
جاسم حسين (النائب الوفاقي) قدم تقريرا عن أدق أسرار زيارة وفد الوفاق للعراق.
نريد أموالا من السفارة ودعما تقنيا(!!!).
جواد فيروز (النائب الوفاقي) يبلغ السفارة بكل خفايا وأسرار الأداء البرلماني للوفاق.
قادة الوفاق يتصرفون بروح أنهم في حماية السفارة الأمريكية(!!!).
سباق بين قادة الوفاق على "تسويق انفسهم" للأمريكيين(!!!).