الرسائل البحرينية في المسألة الشيعية (67) :: 16 فبراير 2015م

قصة حزب الدعوة في البحرين

حزب الدعوة هو أول تنظيم شيعي حركي في العصر الحديث. تأسس في مدينة النجف العراقية في الفترة من 1957-1959م، ثم بدأ بالتمدد إلى الأقطار المجاورة، خاصة البحرين والكويت ابتداء من ستينيات القرن الميلادي العشرين.

في البحرين، مر الحزب بثلاث مراحل هي: مرحلة القوة، ثم مرحلة الضعف، ثم مرحلة التلاشي.

 

مرحلة القوة

 تأسس حزب الدعوة (فرع البحرين) عام 1968م، على يد مجموعة من الطلاب البحرينيين الذين كانوا يدرسون في النجف، والذين أصبحوا فيما بعد من كبار معممي الشيعة في البحرين.

وعلى رأس هؤلاء، يأتي الشيخ سليمان المدني (1939-2003م)، والذي بدأ دراسته الحوزوية بالنجف ابتداء من عام 1958م.

 

ومن الأسماء الرئيسة الأخرى التي بدأت العمل مع التأسيس، أو التحقت بالحزب سراعا: الشيخ عبد الأمير الجمري (1937-2006م)، والشيخ عيسى قاسم، وحسن مشيمع، وعبدالوهاب حسين (اليساري السابق)، وعيسى الشارقي، الذي هو الآن من قيادات جماعة (السفارة) المهدوية المنشقة.

 

بدأ الحزب عمله بصورة سرية وهادئة ولكن فعالة، فأخذ بالانتشار في المنامة والقرى الشيعية، وأخذ يؤسس واجهات مختلفة يعمل من خلالها، فأسس جمعية (التوعية الإسلامية) عام 1972م برئاسة الشيخ عيسى قاسم، ومجلة (المواقف) الأسبوعية عام 1973م برئاسة عبد الله المدني (شقيق الشيخ سليمان المدني).

 

مؤسسي حزب الدعوة الشيعي في البحرين

مؤسسي حزب الدعوة الشيعي في البحرين

 

لاقى الحزب منافسة شديدة من التيار الشيرازي، الذي يتبع مرجعية محمد الشيرازي (1928-2001م)، والذي تأسس في بداية السبعينيات على يد هادي المدرسي، وهو ابن شقيقة الشيرازي. ولكن حزب الدعوة كان صاحب اليد الطولى، واستطاع أن يقوي مركزه داخل المجتمع الشيعي البحريني ويكسب العديد من الأعضاء والمؤيدين.

قام التيار الشيرازي بمحاولة انقلابية فاشلة في ديسمبر 1981م، نتج عنها اعتقال المئات من أعضائها وأعضاء حزب الدعوة كذلك، والتجأ آخرون للخارج.

 

مرحلة الضعف

كانت المغامرة الشيرازية وبالا على الجميع! تفتحت أعين الأمن البحريني على ما كان يجري في (الداخل الشيعي)، خاصة بعد نجاح الثورة الكهنوتية في إيران، وهذا ما أغرى البعض بالاستعجال فكان ذلك الانقلاب الفاشل بامتياز.

تم تضييق الخناق على حزب الدعوة وعموم الحركيين الشيعة، وأغلقت السلطات البحرينية (جمعية التوعية) عام 1984م.

 

أخذ دور الحزب يضعف في الثمانينيات للأسباب التالية:
1) القبضة الأمنية، إذ كان الأمن البحريني يركز جهوده في الفترة السابقة للثورة الإيرانية على الحركات اليسارية والقومية.
2) تخلي المؤسس (الشيخ سليمان المدني) عن القيادة، بل وابتعاده عن منهج الحزب برمته، نتيجة لقناعات فكرية، ولسبب شخصي أثر عميقا في نفسيته، ألا وهو حادث اغتيال شقيقه عبد الله المدني عام 1976م على يد مجموعة من الشباب الشيعي اليساري.
3) حالات الانشقاق في صفوف الحزب، فالمجموعة التي التجأت للخارج أسست (حركة أحرار البحرين) عام 1982م بقيادة سعيد الشهابي، الذي هو أحد أكبر عملاء إيران اليوم، وأغنى لاجئ سياسي في العالم! وانضمت مجموعة أخرى إلى جماعة (السفارة).
4) الضعف الشديد الذي مر به الحزب الأم في العراق في هذه المرحلة، نتيجة لكثرة الخلافات والانشقاقات في صفوفه، وخاصة حول الموقف من مبدأ (ولاية الفقيه). فالبعض رأى ضرورة تبني هذا المبدأ والخضوع بالتالي للولي الفقيه (الخميني) كمرجعية عليا للحزب، ورأى البعض الآخر الاكتفاء فقط بالاسترشاد الروحي للمرجعية واعتبار قيادة الحزب هي المرجعية العليا.

 

مرحلة التلاشي

قاد الشيخ عيسى قاسم الحزب بعد ابتعاد الشيخ المدني، ولكنه غادر إلى إيران حتى عام 2001م، ثم اندلعت أحداث التسعينيات (1994-1996م)، والتي كانت محاولة شيعية ثانية لقلب الأوضاع بالبحرين، وكان زعيم الشيعة حينذاك هو الشيخ عبد الأمير الجمري. انتهت الأحداث بالقبض على الجمري وهرب بعض القيادات الأخرى إلى الخارج.

 

في هذه الفترة، لم يعد شيعة البحرين منبهرين بحزب الدعوة أو التيار الشيرازي، وذلك أن نجم (حزب الله) اللبناني بدأ يسطع ويستحوذ على اهتمام وإعجاب الشيعة -وبعض المغفلين من السنة- في كل مكان.

تلاشى حزب الدعوة كتنظيم حركي فكري سياسي والتحق أفراده بتيار (ولاية الفقيه)، الذي أسس تنظيما مواليا له في لبنان تحت مسمى (حزب الله).

 

الوضع اليوم

بعد السماح بالتعددية الحزبية (نوعا ما) مع مرحلة الإصلاح السياسي بداية الألفية، ظهرت أسماء ومسميات جديدة في الساحة الشيعية.

أسس الشيعة عام 2001م (جمعية الوفاق)، وهي الجمعية السياسية الرئيسة للشيعة اليوم. وقد التحق بقايا قيادات حزب الدعوة البحريني بهذه الجمعية.

والشيخ عيسى قاسم هو الأب الروحي للجمعية، التي نالت أيضا تأييد عبد الله الغريفي (ممثل مرجعية فضل الله في البحرين). والأمين العام للجمعية هو الشيخ علي سلمان، وهو من تلاميذ الشيخ عيسى قاسم.

 

هذه الجمعية هي التي قادت المحاولة الثالثة للاستيلاء على الحكم مع أحداث 14 فبراير 2011م.

هكذا يبدل القوم الأسماء ويغيرون المسميات، وقد تتعدد الأساليب..

ولكن يظل الهدف واحدا لا يتبدل ولا يتغير: بعث دولة كسرى وإيقاد النار المقدسة المجوسية من جديد.