الرسائل البحرينية في المسألة الشيعية (89) :: 11 فبراير 2017م

هكذا سيطر الشيعة على لبنان

لبنان بلد العجائب منذ أن أوجدها الاستعمار الفرنسي عام 1946م. أُريد لها منذ البداية أن يحكمها النصارى، وأُريد لها بعد ذلك أن يهيمن عليها المجوس! وأهل السنة -كالعادة- حاضرون غائبون!

 

حزب الله اللبناني يحكم لبنان اليوم، فهو يحتل عسكريا نصف لبنان، ويهيمن سياسيا على النصف الآخر!

وأصبح الشيعة من خلال حزب الله (حزب اللات والعزى) وحركة أمل (مناة الثالثة الأخرى) يتحكمون في مفاصل الدولة اللبنانية: يسيطرون على المطار، ويسقطون الحكومة، ويشكلون أخرى، ويدفعون بحليفهم نحو سدة الرئاسة..

 

كيف حدث هذا؟!

 

(1) لم يكن شيعة لبنان شيئا مذكورا حتى خمسينيات القرن الميلادي المنصرم. تغيرت الأمور بصورة سريعة ومريبة مع وصول موسى الصدر قادما من إيران عام 1959م، مع خطة إيرانية محكمة لتعزيز النفوذ الشاهنشاهي الإيراني من خلال تفعيل الشيعة وتحويلهم إلى رقم صعب.

كانت تحركات الصدر مدعومة من رئيس الجمهورية النصراني فؤاد شهاب، مما يدل على نوع من التفاهم قديم، بين الغرب وإيران لدعم نفوذ الأخيرة على حساب العرب السنة.

 

(2) شكّل موسى الصدر (المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى) عام 1969م، ثم أسس أفواج المقاومة اللبنانية (أمل) عام 1975م.

هل تعلمون من الذي درّب مليشيات (أمل) وزودها بالسلاح في بداية تشكيلها؟!

إنها المنظمات الفلسطينية التي كان لها تواجد قوي في لبنان في تلك الفترة، أي أن الفلسطينيين هم من درّب حركة أمل التي قتلتهم تقتيلا في مجزرة (صبرا وشاتيلا) عام 1985م! "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم"!

وبالمناسبة، كانت هذه المنظمات الفلسطينية تقوم أيضا بتدريب الشيعة البحرينيين من أتباع التيار الشيرازي، والذين قاموا بمحاولة انقلابية في البحرين عام 1981م..

 

(3) أين كان أهل السنة في هذه الفترة؟ كانوا أشتاتا متنازعين، ومنخرطين في الأحزاب والتنظيمات اليسارية والشيوعية والناصرية والبعثية، بينما كان الشيعة يعيدون تشكيل صفوفهم على أسس عقائدية بحتة.

وكان رموز أهل السنة من البيوت البورجوازية (آل سلام وكرامي والصلح وغيرهم) مشغولين بالتنافس الحامي على منصب رئاسة الحكومة، وهو المنصب الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، أما شباب السنة ففي خبر كان.

 

(4) ومع نجاح الثورة المجوسية عام 1979م، رأت إيران ضرورة تشكيل كيان جديد (حزب الله) يكون خاضعا لها حتى النخاع، وضرورة تحجيم (أمل) التي أسسها موسى الصدر المحسوب على نظام الشاه، فكانت المعارك الضارية بين الطرفين عام 1985م، فكانت هذه خطوة أخرى هامة لتكريس نفوذ إيران.

 

(5) بدأ (حزب الله) ومنذ أواسط الثمانينيات ينمو ويتمدد شيئا فشيئا، ويتحول إلى قوة عسكرية رهيبة..

التدريب العسكري في البقاع على يد الحرس الثوري الإيراني على قدم وساق (أين الدولة اللبنانية)!..

السلاح يتدفق بلا حساب من إيران وسوريا، برا وبحرا جوا، تحت سمع وبصر الطيران الإسرائيلي والأقمار الصناعية الأمريكية..

بدأ الحزب يحتكر سلاح المقاومة المزعومة.. أصبح الحزب أقوى تنظيما وتسليحا وعددا من الجيش اللبناني، بل أصبح الحزب موجودا داخل الجيش!

 

(6) جرت بعض الأحداث التي عززت قوة (حزب الله) ونفوذ إيران. انسحبت إسرائيل فجأة من جنوب لبنان عام 2000م، ثم جاءت مسرحية حرب 2006م بين اليهود والمجوس.. كل ذلك تم تجييره لصالح المشروع الشيعي ليزداد تمكينا في لبنان.

ثم جاء حادث غزو (حزب الله) لبيروت الغربية (أي بيروت السنية) عام 2008م ليكون بمثابة إعلان شبه رسمي من (حزب الله) مفاده: "نحن الحكام الجدد للبنان".

 

(7) جرى توزيع القوى السياسية المتناحرة بطريقة تخدم الشيعة حصرا.

القيادي النصراني ميشيل عون، اللاجئ في فرنسا هربا من سطوة الجيش السوري منذ عام 1991م، والمعارض العنيد للوجود السوري في بلاده، يعود إلى لبنان بصورة مفاجئة ومريبة في مايو 2005م ليتحالف مع (حزب الله) وسوريا وإيران!

وكان الرمز السني البارز رفيق الحريري قد اغتيل قبل ذلك بثلاثة أشهر فقط.. هل هذه صدفة!

 

(8) واستمرت اللعبة: الشيعة يسقطون حكومة سعد الحريري عام 2011م.. الشيعة يمنعون انتخاب رئيس للجمهورية طوال عامين ونصف..

زعيم الدروز وليد جنبلاط ينقلب على سعد الحريري.. ثم الحليف الأهم للحريري النصراني سمير جعجع ينحاز لابن طائفته ميشيل عون..

وأخيرا: يصبح ميشيل عون حليف (حزب الله) رئيسا للجمهورية في أكتوبر 2016م!

 

(9) أصبح الشيعة هم سيد الموقف في لبنان، وعلى حساب أهل السنة، أما النصارى والدروز فلم يخسروا شيئا يذكر من مكتسباتهم.

هكذا كانت الخطة من الأصل. وأصبح (حزب الله) مسيطرا على مفاصل الدولة بما يمكّن لإيران، ولا يشكل تهديدا للغرب كما اقتضت اللعبة.

هل تعلمون إلى أي درجة وصلت هيمنة الحزب وتطاوله؟ في عام 2008م، أسقط (حزب الله) طائرة هليوكوبتر تابعة للجيش اللبناني لأن الطائرة حلّقت فوق منطقة محظورة! أهذه دولة؟!

 

(10) ونسأل للمرة الثانية: أين أهل السنة؟ والجواب: أما الزعماء فمشغولون بالمصالح الشخصية والزعامات الفارغة.. وعموم الناس في شغل شاغل، إما بلقمة العيش أو بتوافه الأمور..

والجماعات السلفية تعاني من التفرق والتشرذم، كل مجموعة لها شيخها وسمتها وجمعيتها!..

و(الجماعة الإسلامية) تعيش أحلامها الوردية عن الوحدة الوطنية والأخوة الإسلامية و..."لا فرق بين السنة والشيعة إلا في الفروع"!

 

هل عرفتم كيف سيطر الشيعة على لبنان؟!

 

****
المقال القادم بإذن الله: هكذا سيطر الشيعة على سوريا.