أهل السنّة وإدمان الغفلة
اشتهر المفكر الجزائري مالك بن نبي رحمه الله بنظريته عن (القابلية للاستعمار)، ولو كان حيا يرزق بيننا اليوم لأضاف لنظريته أيضا (القابلية للاستغفال)..
إن معركتنا مع المشروع الشيعي الصفوي الشعوبي معركة حامية الوطيس، لا تحتمل أي غفلة، ولا تتحمل أي سذاجة من قِبَل أي طرف محسوب على أهل السنة والجماعة.
هذه الغفلة والسذاجة نراها واضحة في كتابات وتصرفات كثير من نخبنا السياسية والفكرية والإسلامية، الذين ما زال خطابهم وأفعالهم تدل على عدم وضوح في الرؤية تجاه الشيعة، وعدم فهم لعقائد الشيعة، وعُقَد الشيعة، وتاريخ الشيعة..
ما زالوا يظنون أن لا فرق بين الشيعة والسنة إلا في الفروع، وأن الشيعة إخواننا وأحباؤنا، وأن كل الجرائم التي نسمعها ونراها يوميا ما هي إلا أفعال فئة قليلة من الشيعة، لا يتجاوزون عدة عشرات أو مئات، ولا يمثلون الطائفة الشيعية (الكريمة العفيفة المسالمة المسكينة)!
ما زال خطاب التزوير والتضليل والتشويه يصدر عن هؤلاء الغافلين، الخطاب الذي يقول أن ديننا واحد، وقبلتنا واحدة، و(بطيخنا) واحد! مع أن الشيعة قد حسموا أمرهم من حيث مواقفهم معنا منذ نجاح ثورتهم الكهنوتية عام 1979م.
نستشهد بمثالين من البحرين والعراق، حيث المشروع الصفوي قائم على قدم وساق، يعمل على نار هادئة ماكرة في البحرين، ونار حامية صارخة في العراق:
1) من البحرين
كاتبة بحرينية سنية كتبت تتأسف على التغيير الذي طرأ على المواكب الحسينية أيام عاشوراء، إذ أصبحت "حافلة بكمّ كبير من الشتم والسب واللعن"..
وهذا خلاف الحال في الماضي، إذ كان "عدد مرتادي مواكب العزاء الذين يقفون يتفرجون ويشاركون الشيعة على جانبي الطريق من السنة أكثر من الشيعة، كانت أمهاتنا تكثر من النذور تلك الأيام تبركاً بها. من الإحساء ومن الكويت ومن كل دول الخليج يتقاطر الشيعة ليمارسوا عقائدهم بكل حرية في بلد لطالما كان قبلة لكل مضطهد دينياً وقبلة للحريات والاحترام المتبادل"!
ثم تتوسل الكاتبة إلى الشيعة أن يعودوا لسابق عهدهم: "ومن أجل الحسين، من
أجل الحسين أعيدوا لنا تلك الروح، من أجل الحسين أعيدوا لنا عاشوراء زمان، من
أجل الحسين أعيدوا لنا بحارنة زمان"!
(جريدة الوطن، في 11 نوفمبر 2013م)
لا تستوعب هذه الكاتبة أن السلوك الذي كان عليه الشيعة في الماضي كان بحكم التقيّة، وبحكم متطلبات (حقبة التمسكن)، بينما هم يعيشون الآن (حقبة التمكن)، بعد نجاح ثورتهم في إيران، ودعم الأمريكان لهم.
إنهم يعيشون الآن الوضع الطبيعي، الذي هو ترجمة حقيقية لعقائدهم ومواقفهم تجاه (النواصب)!
اقرؤوا التاريخ لتتأكدوا مما فعلوه بنا في حقب التمكن السابقة، أقرؤوا التاريخ لتعرفوا ما فعلته الدول العبيدية والبويهية والقرمطية والصفوية بأهل السنّة..
اقرؤوا التاريخَ إذ فيه العِبَر..
ضلّ قومٌ ليس يدرون الخَبَر
2) من العراق
الأستاذ طارق الهاشمي كان نائبا لرئيس الجمهورية، وممثلا للسنّة -نفترض- في هيئة الرئاسة العراقية، قبل أن يغدر به نوري المالكي ويدبر له تهمة جزاؤها الإعدام.
وهو الآن مشرّد خارج العراق، ونتمنى له النجاح في معركته السياسية، ونتمنى له كذلك العلاج من مرض (الغفلة)، حتى لا يكون مادة قابلة (للاستغفال) في كل حين وحال!
اقرؤوا هذا الخبر المثير:
"تواصلاً للدعم والاهتمام الذي يوليه الأستاذ طارق الهاشمي الأمين العام للحزب
الإسلامي العراقي، نائب رئيس الجمهورية لشريحة الشباب واستمراراً لمشروع
المصاهرة الوطنية الذي تبناه سيادته لدعم الزواج المختلط بين العراقيين من
المذاهب المختلفة، أقيم على قاعة السلام بقضاء الصويرة حفل توزيع منحة الأستاذ
الهاشمي على المتزوجين الجدد من أبناء القضاء بحضور السيد قائم مقام قضاء
الصويرة والسيد مدير شرطة القضاء بالإضافة إلى حشد كبير من شيوخ العشائر
والوجهاء وأهالي الصويرة.. وكان الأستاذ الهاشمي قد أعلن في شهر تشرين الأول
عام 2007م عن مشروع أسماه (مشروع المصاهرة الوطنية) ليكون رافدا لمشروع
المصالحة الوطنية دعا من خلاله إلى كسر طوق الطائفية المقيتة حيث وصل عدد
المشمولين به حتى الآن أكثر من ثلاثة آلاف شاب وشابة ومن مختلف المحافظات".
(موقع الحزب الإسلامي العراقي، بتاريخ 13 مايو 2009م)
مزيج غريب من الغفلة وغياب الوعي! بدل أن يسخّر الهاشمي هذه الأموال لخدمة الأرامل والأيتام والمهجّرين والمقطوعة أوصالهم من أهل السنّة على يد مليشيات (إخوانهم) الشيعة، يسخّر هذه الأموال لدعم الزواج المختلط بين الشيعة والسنّة!
إن كان الزوج هو الشيعي فمصير الأطفال معروف، وإن كان الزوجة هي الشيعية فإن الزوج السني (العلماني) مخلص في علمانيته ولا يبالي على أي دين يكون أبناؤه، بينما الزوجة الشيعية تلتزم بالطائفة وإن ادعت العلمانية أو الوطنية أو القومية.. بمعنى آخر: في كل الأحوال، يكون الأبناء جنود المستقبل في خدمة المشروع الصفوي.
إنها قمة المأساة: يقوم ممثل السنّة في الحكم، بالمساهمة في إنشاء جيل جديد من حاملي (المثقاب الكهربائي drill)، ليلعبوا بها في جماجم أبناء السنّة!
من البحرين والعراق ودول أخرى: نماذج لغفلة عميقة، تصل إلى مصاف الخيانة العظمى.