الرسائل البحرينية في المسألة الشيعية (95) :: 12 مايو 2018م

أهل السنة في لبنان وفن تدمير الذات

انتهت الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان بانتصار الثنائي الشيعي: حزب الله (حزب اللات والعزى)، وحركة أمل (مناة الثالثة الأخرى).. كيف تم ذلك؟ ولماذا؟

 

المعروف أن تقسيم الدوائر الانتخابية في لبنان قائم على أساس المحاصصة الطائفية، ولكل طائفة عدد محدد من المقاعد، والنسبة المخصصة للشيعة هي 27 مقعدا. بمعنى أن عدد النواب الشيعة لا يمكن أن يزيد عن هذا العدد.

ومن المعروف أيضا أن حزب اللات قد فاز بـ13 مقعدا فقط من بين الـ27 مقعدا المخصصة للشيعة.

 

إذا كان الأمر كذلك، فكيف يعتبر هذا انتصارا للشيعة؟!

هنا تظهر المأساة، وهنا تبدو معالم المحنة التي يعيشها أهل السنة في لبنان، ويتجلى بوضوح السبب الرئيس لما يعانيه أهل السنة من ضعف وتقهقر.

 

لقد تمكن الثنائي الشيعي من كسب قوى سياسية سنية إلى جانبه، لتنافس هذه القوى السنية حزب المستقبل وتجرده من بعض مقاعده، فأصبح الثنائي الشيعي يمتلك، عن طريق التحالفات، كتلة نيابية أكبر من حجمهما الطبيعي.

أي أن بعض القوى السنية، هي التي تسببت في تقوية الكتلة الشيعية وإضعاف الكتلة السنية، إذ أن النواب السنة الذين يتبعون هذه القوى السنية (الخائنة)، سيقفون إلى جانب الثنائي الشيعي في المعارك السياسية القادمة تحت قبة البرلمان.

 

إليكم بعض ما حدث من مآسي:

تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري هو الخاسر الأكبر في الدائرة الثانية لمحافظة بيروت، بخسارته لأربعة مقاعد لصالح جماعة (الأحباش) المحسوبة على السنة، وهذه الجماعة المنحرفة متحالفة مع الثنائي الشيعي!

وفي طرابلس شمال البلاد، فاز رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي بأربعة مقاعد، وثلاثة مقاعد أخرى لفيصل كرامي، وهما متحالفان أيضا مع الثنائي الشيعي!

وفاز التنظيم الشعبي الناصري بمقعد واحد، وهو متحالف مع حزب اللات.. (قوميون عرب في خدمة المشروع الفارسي)!

 

هذه هي مشكلة المشاكل بالنسبة لأهل السنة: تفرق وتشرذم وأنانية ومصالح ذاتية. ونوجز المأساة في هذه السطور:

1) كل زعامات الطوائف اللبنانية تعمل من أجل مصالح الطائفة، وزعامات أهل السنة تعمل من أجل مصالحها الذاتية! وتفتقد الدهاء السياسي، يستوي في ذلك آل الحريري وآل ميقاتي وآل كرامي وآل سلام.. إلخ.

2) وعلى النقيض من قادة السنة، كل قادة الطوائف الأخرى، مثل جنبلاط ونصر الله وبرّي وجعجع وفرنجية.. كل هؤلاء شياطين في السياسة وعباقرة في التحالفات.

3) كل الطوائف تحمل شعار (الوطن)، ولكن تسعى لمصلحة (الطائفة). أما أهل السنة، فيحملون أيضا شعار (الوطن)، محاولين تجاوز الطائفية.. (إنهم يحرثون في البحر)!

4) حزب المستقبل غير مؤهل لقيادة أهل السنة، لا من حيث القيادة، ولا من حيث الكوادر.

5) أما (الجماعة الإسلامية) في لبنان، التي خسرت مقعدها النيابي الوحيد، فهي محدودة الانتشار، وغير قادرة على منافسة الأسر السنية الكبيرة، التي تربطها مصالح عديدة مع الطوائف الأخرى. كما أنها مشغولة بإظهار وسطيتها واعتدالها فيما يخص العلاقة مع الشيعة.. (قاعدة ذهبية: الاعتدال في غير موضعه اعوجاج).

6) أما سلفيو لبنان، فهم منقسمون إلى جماعات وجمعيات عديدة، ولكل جماعة شيخها ومفتيها!

7) كل الطوائف لها من يدعمها من الخارج، إلا أهل السنة. ولما حاولت بعض الدول العربية التدخل في مواجهة النفوذ الإيراني، تذكّرنا المثل المعروف (أراد أن يكحلها فعماها)!

 

الطوائف في لبنان تبدع في بناء مشاريعها.. وأهل السنة يبدعون في تدمير الذات.

(اللّهمّ أبْرمْ لهذه الأمّة أمْرا رشيدا، تعزّ فيه وليّك، وتذلّ فيه عدوّك، ويعْمل فيه بطاعتك).