حكومات الخليج تدخل عصر الحَيرة
دخل الشيعة (عصر الحَيرة) بعد وفاة الإمام الحسن العسكري من دون عَقِب، أي حدث انقطاع في تسلسل الإمامة، فكانت فترة حيرة وذهول وارتباك لهم، حتى خرج بعض أبالستهم بنظرية الإمام الثاني عشر، الذي وُلد بزعمهم، ثم اختفى بعد وفاة الإمام العسكري عام 260هـ، ولا يزال الشيعة ينتظرون خروجه بعد مرور (1175) عاما على اختفائه!
أما حكوماتنا الموقّرة في الخليج العربي فقد دخلت (عصر الحَيرة) منذ أسابيع معدودة فقط، أي منذ أن انتقل التحالف الأمريكي الإيراني من مرحلة (التحالف من تحت الطاولة) إلى مرحلة التحالف العلني، ويتم تكريس هذا التحالف عمليا بالتفاهمات المعروفة -الآن- حول بعض الملفات الشائكة مثل ملف النووي الإيراني وملفات العراق وسوريا والبحرين.
كانت مظاهر هذا التحالف بادية منذ عدة سنوات، وتمثلت في عدة مواقف أمريكية تصب في مصلحة نظام ولاية الفقيه، مثل السماح للشيعة بالاستحواذ على العراق، والوقوف إلى جانب شيعة البحرين في ثورتهم المزعومة في 14 فبراير 2011م، والسكوت عن الدعم الإيراني السافر للحوثيين في اليمن، والتآمر السري والعلني ضد الثورة السورية.
ماذا تفعل قياداتنا الرشيدة في الخليج إزاء هذا التغير الخطير. لقد أصبح
لسان حالهم يقول:
إيران تهددنا..
وأمريكا تخلّت عنّا..
وبريطانيا، بوجهين، تتعامل معنا..
وروسيا متحالفة مع إيران ضدّنا..
ومصر، بدعمنا للانقلاب، دمّرناها..
والحركات الإسلامية السنّية حاربناها..
ووسائلنا الدفاعية الذاتية، في وقت الشدّة، لا تنفعنا!
ومما يعكس بعضا من صور الحيرة والفوضى العارمة التي انتابت قيادات دولنا في المنظومة الخليجية، ذلك التناقض المذهل والمحير في سياسات الدول الستّ، تناقض يجعل الحليم حيران.. والتقيّ سكران!
لقد أعربت السعودية، إحدى دول مجلس التعاون، ومن خلال عدة مناسبات وتصريحات، عن قلقها الشديد حول التفاهمات الأمريكية الإيرانية، ومن حقها ذلك، ولكن أليس من المذهل أي يقف وراء هذه التفاهمات دولة خليجية عضو في المجلس، وهي سلطنة عُمان؟!
أكد الكاتب المعروف فهمي هويدي أن عُمان قد لعبت دور الوسيط الذي ساعد على تواصل الطرفين..
قال في مقال له بعنوان (ماذا بعد اتفاق الشيطان الأكبر مع الولي الفقيه):
"التواصل بين الخصمين مستمر منذ ثمانية أشهر تقريبا. وأنه أحيط بستار كثيف من
السرية حجبته عن أقرب الأقربين، كما أنه خضع للتمويه وعمليات الخداع، التي جعلت
الاجتماعات تعقد في سلطنة عمان، وفي بعضها كانت الوفود تدخل من الأبواب الخلفية
للفنادق، وتستخدم المصاعد المخصصة لخدمات الغرف، كي لا تلفت أنظار الصحفيين
والنزلاء".
(جريدة الشروق المصرية، 26 نوفمبر 2013م)
يا ناس.. أهذا مجلس تعاون!
دولة خليجية تتوسط في ترتيبات تهدد الأمن الجماعي الخليجي!
وما زالت مظاهر التخبط مستمرة..
قبل أيام، كان وزير الخارجية الإماراتي في زيارة رسمية (للشقيقة) إيران..
قال وزير الخارجية الإماراتي خلال اللقاء: "لنا علاقات جوار مع الجمهورية
الإسلامية الإيرانية ولن نكتفي بهذا المستوى من العلاقات بل نتطلع إلى
تعزيزها.. لقد كنا على الدوام شريكا لإيران ونعتزم اليوم أيضا أن نكون شريكا
أقوى من ذي قبل.. نقدّر المساعي التي بذلت لإنجاح المفاوضات النووية الأخيرة في
جنيف.. إن هذه القضية تركت أثرا إيجابيا على كل دول المنطقة ونأمل أن تنعكس
تأثيراتها الإيجابية على إيران والمنطقة".
(جريدة أخبار الخليج البحرينية، 29 نوفمبر 2013م)
فعلا.. لقد دخلت قياداتنا الخليجية عصر الحيرة!
حالة من عدم الرضا تسود مجتمعاتنا الخليجية إزاء هذا التخبط وهذه الكيفية في التعاطي مع الأخطار التي تحيق بنا..
قال الكاتب البحريني إبراهيم الشيخ: "بعد التقارب الإيراني الأمريكي
الأوروبي حول ملف إيران النووي، وجدنا لهجة دولنا الخليجية تجاه إيران تتغير،
فبعد أن كانت شيطانا رجيما، أصبحت وليا حميما؟! بعد أن رأينا منها ما رأينا في
العراق ولبنان والبحرين واليمن وأخيرا سوريا، رأينا بعض دولنا الخليجية تتراكض
لتعميق التعاون الاقتصادي معها، وهي التي مازالت تتبجح باحتلال الجزر
الإماراتية الثلاث".
(جريدة أخبار الخليج، 1 ديسمبر 2013م)
وقالت الكاتبة البحرينية طفلة الخليفة: "ما الذي تغير في إيران لكي نزورها
وتزورنا، مازالت تبيد السوريين بكل سلاح ومازالت تمول الانقلابيين في البحرين
واليمن ومازالت تشعل الفتن في كل مكان.
ما الذي تغير وهي لم تصدر كلمة واحدة في اتفاقها مع الغرب عن تدخلاتها في
الخليج وسوريا واليمن والبحرين ولا يبدو أنها ستوقف هذه التدخلات ولا مجازرها
في سوريا المستمرة منذ ثلاث سنوات، والتي لم تدع أخضر ولا يابسا ولا طفلا ولا
حاملا ولا شيخا إلا دمرته وأحرقته ومازالت تواصل حربها الضروس ضد الأمة
العربية، وتقود حربها الوحشية الثانية في العراق والتي مزقت البلاد والعباد.
ماذا تغير لنزورها وتزورنا بعد اتفاق السلاح النووي الذي لا نعلم هل هو اتفاق
هدنة أم اتفاق تم فيه مراعاة مصالح أمريكا وأوروبا وإسرائيل على حسابنا أم
ماذا؟؟ ولماذا تبقى الشعوب الخليجية (مثل الأطرش في الزفة)".
(جريدة أخبار الخليج، 1 ديسمبر 2013م)
حيرة الشيعة أجازت لهم أن ينتظروا المهدي لآلاف السنين..
فهل ستنتظر شعوب الخليج أيضا آلاف السنين بانتظار زوال حيرة حكوماتها؟!