الرسائل البحرينية في المسألة الشيعية (68) :: 2 مارس 2015م

أهل السنة وفن إضاعة الفرَص

لنا سجل حافل في إضاعة الفرص التاريخية الثمينة، على العكس من الشيعة، الذين لهم سجل حافل باستغلال الفرص التاريخية التي قد لا تتكرر، مثال ذلك ما ارتكبوه من إجرام بتحالفهم مع المغول عام 656هـ (1258م)، والذي أدى إلى سقوط الدولة العباسية واستباحة بغداد ومقتل مليون مسلم.

 

في عام 1514م، تمكن الجيش العثماني بقيادة السلطان سليم من هزيمة الجيش الصفوي بقيادة الشاه إسماعيل في معركة (جالديران). لقد كانت هزيمة ساحقة للصفويين، وأوشك الشاه إسماعيل نفسه أن يلقى حتفه، ودخل الجيش العثماني مدينة تبريز. وبدلا من أن يواصل العثمانيون فتوحاتهم داخل إيران ويقضوا تماما على الدولة الصفوية، ويعيدوا إيران إلى أحضان الإسلام.. بدلا من ذلك، اتجه العثمانيون لفتح الشام ومصر!

 

الجيش العثماني قبيل معركة جالديران

الجيش العثماني قبيل معركة جالديران

 

فرصة أخرى ثمينة ضاعت: في عام 1722م ثار الأفغان بقيادة محمود خان على الحكم الصفوي، وأخذوا بمطاردة فلول الجيش الصفوي المهزوم حتى تمكنوا من دخول العاصمة الصفوية إصفهان، وهكذا سقطت الدولة الصفوية بعد حكم دام أكثر من قرنين، فماذا حدث بعد ذلك؟!

اندلعت الفتن والمشاكل، بل والمعارك بين أكبر قوتين سنيتين: الأفغان والعثمانيون، بدلا من أن يتم التعاون والتنسيق بين الطرفين للقضاء على كل آثار الحكم الصفوي البغيض. تسبب ذلك في حدوث فوضى عارمة، فاستغل القائد المغامر نادر خان الفرصة فطرد الأفغان، ثم هزم العثمانيين، ومكّن لنفسه في الحكم، واستمر النهج الصفوي الشعوبي مهيمنا على إيران!

 

وواقعنا المعاصر مليء بمثل هذه الفرص الضائعة..

أُعلن الجهاد في أفغانستان عام 1979م، وبعد عقد من القتال الشرس انتصر المجاهدون وانسحب العدو الروسي مهزوما ذليلا.

وبدلا من إقامة الدولة العادلة المرجوة، اندلع القتال العنيف بين فصائل المجاهدين.. لقد انتصر قادة المجاهدين في ميدان الجهاد الأصغر (جهاد العدو الشيوعي الكافر)، ولم ينتصروا في ميدان الجهاد الأكبر (جهاد النفس).. أخذت الفصائل الشيعية المدعومة من إيران تتلاعب بالمجاهدين، فتارة تتحالف مع حكمتيار ضد رباني، ومرة مع رباني ضد حكمتيار، ومرة مع الاثنين ضد سياف!

وهذه هي النتيجة اليوم: أمريكا تعربد في أفغانستان، ومقدرات كثير من الأمور فيها هي بيد الشيعة، الذين لا تزيد نسبتهم عن 10% من السكان!

 

عام 2011م، أوشك أهل السنة في سوريا على استرداد حقوقهم التي سلبتها الطوائف منهم منذ خمسة عقود، فماذا حدث؟

دخل على خط الجهاد فصائل من أدعياء الجهاد، ففرّقت الصف وشتتت الشمل وضيعت القضية!

بعض هؤلاء الدخلاء ليسوا أكثر من عملاء للمخابرات الدولية، وبعضهم مخلصون ولكن ينقصهم فهم الجهاد وفقهه، وكلاهما سبب في تأخير النصر وزيادة معاناة الشعب السوري، ولا زلنا متفائلين بانتصار الثورة السورية بإذن الله.

 

في البحرين، وبعد أحداث فبراير 2011م مباشرة، أحس أهل السنة، ولأول مرة في تاريخهم بمدى خطر المشروع الصفوي الإيراني، فأتوا من كل فج عميق، ووحدوا الصفوف، وتشكل تجمع الفاتح العظيم، الذي حضرة ثلاثمائة ألف من أهل السنة، وهو أكبر حشد شعبي في تاريخ البحرين.

لقد كانت فرصة ذهبية لتحقيق التوازن بين القوى الثلاث: السنة والشيعة والنظام السياسي الحاكم، ولكن.. ماذا حدث؟!

لقد سلمنا قيادنا لمن لا يتقن فن السياسة، ولا يصلح للقيادة، فكانت النتيجة أن تحول هذا الحشد الهادر إلى مجرد جمعية سياسية سجل في عضويتها عدة آلاف، أصبحوا فيما بعد عدة مئات، ويشارك في أنشطتها الآن عدة عشرات.

ليست لنا قدرة على المحافظة على المكتسبات، بعكس الشيعة!

تجمع الفاتح

تجمع الفاتح

 

لكي لا نصاب بالإحباط.. في تاريخنا أمثلة أخرى رائعة في استثمار الفرص، مثل ما فعل صلاح الدين الأيوبي في إسقاط حكم الزنادقة العبيديون وإعادة مصر إلى أحضان أهل السنة والجماعة.

التاريخ هو أفعال الرجال، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ.. ولكن تاريخنا الحديث يغلب عليه الضعف والهوان.. وها نحن بانتظار أمثال صلاح الدين.