اليسار البحريني يتحول إلى حمار للشيعة!!
يا لها من نهاية مأساوية لليسار البحريني!
عمل في المجتمع سرا وعلنا ولمدة سبعين عاما، فلا أرضا قطع ولا ظَهرا أَبقى!
إنها قصة تستحق السرد، ولو باختصار، ففيها الكثير من الدروس والعبر.
بعد السماح بتأسيس الكيانات السياسية بصفة قانونية، ضمن مشروع الإصلاح السياسي، بدأت تظهر (الجمعيات السياسية) ابتداء من عام 2002م، وأصبحنا نعيش جوا من التعددية السياسية، الذي كان من الممكن أن يعود بالنفع على البلاد والعباد لولا الفتنة الطائفية الأخيرة، التي أشعل وقودها الشيعة وذيولهم من اليسار!.. فكانت الخارطة السياسية لليسار على النحو التالي:
1) جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي:
وهي سليلة ما عرف بـ (الحزب الشيوعي البحريني)!!.. وعرف أيضا باسم رنان هو (جبهة التحرير الوطني البحرانية).
تأسس حوالي عام 1955م، ومن رموزه التاريخية أحمد الذوادي الذي توفي عام 2006م. يقود الجمعية الآن د. حسن مدن.
إذن هذه الجمعية ما هي إلا شيوعية المنشأ والفكر، ولنتذكر هذا جيدا.
2) جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد):
تعود في جذورها الأولى إلى حركة القوميين العرب، التي تأسست في بيروت عام 1951م، وأسست فرعا لها في البحرين عام 1959م.
ثم مالت هذه الحركة إلى النهج الماركسي، فحملت عقيدة هي مزيج من القومية العربية والمبادئ الشيوعية.
في منتصف عام 1974م، اتخذت اسم (الجبهة الشعبية في البحرين) كتنظيم مستقل خاص بالبحرين.
من رموزها التاريخية المهندس عبد الرحمن النعيمي، وهو في حالة غيبوبة في مستشفى بالرياض منذ عدة سنوات، ويقود الجمعية الآن إبراهيم شريف.
إذن هذه الجمعية شيوعية أيضا مع مسحة قومية، ولنتذكر هذا أيضا.
3) جمعية التجمع القومي الديمقراطي:
وهو تجمع يضم القوميين البعثيين. وهذا التيار بدأ بالانتشار المتواضع في البحرين بداية الخمسينيات على يد بعض الطلاب الدارسين في الخارج. ومن رموزه التاريخية د. علي فخرو، وزير الصحة ثم وزير التربية والتعليم الأسبق. ويقود هذه الجمعية د. حسن العالي.
ظهرت هذه الجمعيات إلى الوجود وقد مضى أكثر من عقد على زوال المنظومة الاشتراكية الدولية، وهي لا شعبية لها في المجتمع البحريني، فكيف يمكن الوصول إلى الشهرة، وإلى مقاعد البرلمان؟!
وجد اليسار نفسه معزولا عن عموم المجتمع ولا شعبية له، وهو يتطلع للوصول للبرلمان، فماذا يفعل.. لجأت جمعيات اليسار إلى اتباع سياسات معينة لم تزدها إلا خبالا!
أولا: الاتجاه يمينا وارتداء لبوس الليبرالية:
أخذت تتنصل من الفكر اليساري البالي وتتبنى خطابا جديدا ذو نزعة ليبرالية!.. وسخـّر قادة هذه الجمعيات، أمثال حسن مدن وإبراهيم شريف وغيرهما، سخـّروا ألسنتهم وأقلامهم للتمجيد لليبرالية العتيدة، التي كانت في مواجهة فكرية وسياسية حادة مع معسكر اليسار الاشتراكي طوال قرن من الزمن!
ولنا أن نتساءل: هل تخلى اليسار البحريني عن يساريته وتحول إلى اليمين الليبرالي؟!
هل ما زال اليسار يسارا أم أضحى يمينا؟! أم أصبح يسار اليمين؟! أم يمين اليسار؟! أم يسار البطيخ!!!
إذا كان لا يزال يحتفظ بفكره اليساري العتيد فهو يمارس إذن التقية!
وإذا كان قد تخلى عن فكره القديم فليعلن ذلك على الملأ! وليعتذر للشعب البحريني الذي جعل منه مادة لتسويق بضاعته اليسارية الفاسدة طوال عقود!
ثانيا: التحالف مع الشيعة:
لم يكن التبرؤ من الفكر اليساري العتيق كافيا، وهناك حاجة ماسة لمزيد من التكتيكات السياسية للجلوس تحت قبة البرلمان، فلجأ اليسار إلى التحالف مع الجمعيات الشيعية، ورأينا العجب العجاب: تحالف شيعي/شيوعي في انتخابات 2006م و 2010م!!
وكانت المعادلة هكذا: الشيعة بحاجة لكسر حاجز الـ50% من مقاعد البرلمان، ليتمكنوا من تمرير مشروعهم الطائفي، واليسار يحتاج إلى أصوات الشيعة ليتمكن من الحصول على بضعة مقاعد، فالسنـّة لن يصوتوا لهم.
في انتخابات 2006م:
كان التحالف الشيعي الشيوعي حدث الموسم. ترشح أربعة من رموز جمعية العمل الديمقراطي (وعد) في أربع دوائر ذات أغلبية سنية، مع وجود أقلية شيعية مؤثرة، وكان الأربعة من أصول سنية: إبراهيم شريف، وعبد الرحمن النعيمي، وسامي سيادي، ود. منيرة فخرو.. فكان المؤمل الاستحواذ على كل أصوات الشيعة، مع بعض أصوات السنة من خصوم الاتجاه الإسلامي.
وكانت معركة عنيفة، قاد الطرف السني فيها جمعية المنبر الوطني الإسلامي، ذات الاتجاه الإخواني، فتمكن إخوانيان، وسلفي، ومستقل من الفوز بالدوائر الأربع، ولم تتحقق أي من أماني اليسار أو الشيعة.
أثناء هذه المعركة العنيفة، تخلى اليسار عن كل مبادئه، وأخذ يدغدغ العواطف الدينية لدى عامة السنـّة!!
فالمرشحة اليسارية د. منيرة فخرو أخذت تعلن في مقرها الانتخابي بأنها حافظة للقرآن الكريم!!.. (أتحداها أن تقرأ سورة واحدة من قصار السور قراءة صحيحة!!)
والمرشح عبد الرحمن النعيمي أخذ يذّكر الناخبين بأنه في صغره كان يخدم الناس في حملات الحج!!
ولكن كل ذلك لم يفلح، بالرغم من الدعوات والدعايات المكثفة لمعممي الشيعة!.. (الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق الشيعية أخذ ينهق بأعلى صوته: أنا ومنيرة في خندق واحد)!!
في انتخابات 2010م:
استمر سيناريو التحالف بين جمعية الوفاق الشيعية وجمعية وعد اليسارية، ولكن الفصائل اليسارية الأخرى اختارت طريقا آخر، هو التحالف مع الحكومة ومنافسة الشيعة في دائرتين، ترشح فيهما د. حسن مدن رئيس جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي (وهو شيعي الأصل) ود. حسن العالي رئيس جمعية التجمع القومي الديمقراطي (وهو أيضا شيعي الأصل) ضد مرشحَين لجمعية الوفاق الشيعية في دائرتين شيعيتين.
فأما المتحالفين منهم مع الشيعة (وهم من أصول سنية) فقد تحولت مقارهم الانتخابية إلى حسينيات!!.. آلاف الشيعة يرددون الشعارات الدينية في محاولة لإضفاء شرعية دينية على من كان يجهر حتى الأمس القريب: (الدين أفيون الشعوب.. لا إله والحياة مادة)!! ولم ينجح منهم أحد!
وأما المتحالفَين منهم مع الحكومة، فقد بذلت لهما الحكومة الغالي والنفيس ليحققا نصرا ضد خصومها من الوفاق، فلن ينجحا!
ومن خسر من اليسار (المتحالف مع الشيعة)، أخذ يكيل التهم للحكومة والجمعيات السنية بتزوير الانتخابات!
ومن خسر منهم (من المتحالفين مع الحكومة) أخذ يتهم جمعية الوفاق الشيعية بالإرهاب الفكري والهيمنة الدينية وإقصاء الآخر في الوسط الشيعي!
وأخذت تصريحاتهم وبياناتهم تسد الآفاق مطالبة بإنهاء التحالف مع التيارات الدينية (الشيعية) نهائيا.
وجاءت أحداث 14 فبراير 2011م:
قام الشيعة بمحاولتهم الانقلابية البائسة ركوبا لموجة التغييرات في العالم العربي!
وقد دلت مؤشرات كثيرة -ليس هنا وقت بيانها- أنهم كانوا واثقين تماما هذه المرة من النجاح والوصول للسلطة، فإذا باليسار البائس (بكل فصائله هذه المرة) يعود إلى الحضن الشيعي الدافئ!!
فكانت فرصة دعائية جيدة للشيعة أن يعلنوا أن ثورتهم ليست طائفية، وأن معهم جمعيات سياسية أخرى تضم اتجاهات سياسية ومذهبية أخرى!!
وفشلت الثورة المزعومة.. وأيقن اليسار بأن الحكم لن يتغير، وأن لا مكاسب!!..
فأخذ بعضهم يعود إلى النهيق من جديد (مدن والعالي)، منددين بمن حاول إسقاط
النظام وتغييره!!
ورجع اليسار إلى المربع الأول!.. تائها حائرا لا يدري أين جبهته وأين قفاه!!
هدية: هناك قصيدة تافهة، عنوانها (الطلاسم).. لشاعر تائه، اسمه (إيليا أبو ماضي).. أهدي أسطر منها لليسار التافه التائه في البحرين:
جئتُ لا أعلم من أين ولكني أتيتُ!
ولقد أبصرت قُدّامي طريقا فمشيتُ!
وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيتُ!
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!
أجديد أم قديم أنا في هذا الوجودْ!
هل أنا حرٌ طليقٌ أم أسيرٌ في قيودْ!
هل أنا قائدُ نفسي في حياتي أم مقود!
أتمنّى أنني ادري ولكن!
لست أدري!!