الرسائل البحرينية في المسألة الشيعية (36) :: 20 أبريل 2013م

أهل السنة في البحرين: عناصر القوة والضعف

ليس من الحتمي إضفاء صفة (قوة) أو (ضعف) على عنصر ما بصفة قطعية مستمرة، بمعنى أنّ عنصرا ما قد يتأرجح بين القوة والضعف، حسب الظروف المكانية والزمانية، وحسب قابلية الطرف الموصوف، من حيث قدرته على إبقاء عنصر القوة فعالا بحيث لا يتحول إلى عالة عليه!

 

أولا: عناصر القوة

1) الكثافة العددية: نسبة أهل السنة والجماعة تبلغ حوالي نصف السكان من المواطنين.

 

2) الانتماء إلى الأمة: أهل السنة ليسوا طائفة من الطوائف، ولا يجوز استعمال عبارة (الطائفة السنية) لوصف أهل السنة في أي بلد كان.

نحن أمة الإسلام وورثته، والشيعة هم طائفة من الطوائف والفِرَق والنِّحَل. نحن لنا جذور تمتد عبر التاريخ إلى يوم نزول الوحي على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنا امتداد عبر الجغرافيا من إندونيسيا إلى موريتانيا!

 

3) الانتماء إلى الكيان الخليجي العربي: الذي بالرغم من ضعفه -كما سنذكر لاحقا- إلا أنه لعب دورا حاسما في القضاء على فتنة 14 فبراير 2011م الصفوية. وقد كان دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين يوم عيد بالنسبة لأهل السنة، وصدمة وكارثة بالنسبة لأتباع الولي السفيه!

 

4) السلطة السياسية: المتمثلة في الأسرة الخليفية الحاكمة، وقدرة هذه الأسرة على البقاء في الحكم خلال القرنين الماضيين.

 

5) المؤسسة العسكرية: من خلال قوة دفاع البحرين بفروعها الثلاثة، الجيش والبحرية والطيران، بالإضافة إلى الحرس الوطني، والقوات شبه العسكرية كالشرطة وخفر السواحل. إن المؤسسة العسكرية تمثل الحصن الحصين وخط الدفاع الأخير للسنة، لذلك يستبسل الشيعة -منذ عقود- للحصول على موطأ قدم لهم في هذه المؤسسة، ولنا مخاوف من أن تنصاع بعض مراكز القرار في الدولة لهم بفعل الضغوط الأمريكية!

 

6) قابلية أهل السنة للاستجابة للتحدي: قبل الفتنة الأخيرة، كان الغالب على أهل السنة الغفلة والإهمال والانشغال بسفاسف الأمور، وترك المواجهة للدولة فقط، ولما اندلعت الفتنة رأينا العجب العجاب، والحمد لله أولا وأخيرا، {يُخرِجُ الحَيَّ مِن الميّتَ ويُخرجُ الميتَ مِن الحيِّ ويُحيي الأرضَ بعدَ موتها وكذلِكَ تُخرَجون}    (الروم: 19)

لقد أسدى إلينا الشيعة -من حيث لا يشعرون- خدمة عظيمة، والأمر يستحق أن نرسل برقية إلى سرداب سامراء، نشكر فيها المهدي المنتظر، على الخدمة الجليلة التي قدمها لنا الموالين من أتباعه، بجعلهم أهل السنة يستيقظون من سباتهم العميق!

تجلت الصحوة السنية من خلال أحداث غير مسبوقة في تاريخ أهل السنة في البحرين، أهمها:
● تجمع الفاتح العظيم، والذي قدرته وسائل الإعلام بحوالي ثُلث مليون، غالبيتهم العظمى من أهل السنة، وهذا هو أكبر حشد شعبي في تاريخ البحرين على الإطلاق. لقد جرّد هذا الحدث الشيعة من استعمال سلاح (الأغلبية) المزعومة.
● نقاط التفتيش التي أقامها شباب أهل السنة في مداخل الأحياء السنية لحماية المواطنين والمقيمين من إرهاب العصابات الصفوية في وقت اختفت فيه قوات الجيش والشرطة من الميدان بقرار من (القيادة الرشيدة)! لقد وضع هذا الحدث حدا لاحتكار شباب الشيعة للميدان منذ ثلاثة عقود.
● حركة المتطوعين ردا على دعوة الشيعة للعصيان العام والإضراب عن العمل. لقد ملأ المتطوعون من أهل السنة -رجالا ونساءً- الأماكن التي شغرت في المدارس والمرافق الحيوية الأخرى، ومنهم من طلب إجازة من رب العمل ليقوم بهذا الدور الوطني الشريف، ومنهم من ترك تقاعده ورجع إلى ميدان البذل والعطاء ليسد النقص الحاصل بفعل العصيان. لقد جرّد هذا الحدث الشيعة من سلاح العصيان المدني، الذي كانوا يلوحون به من حين لآخر.
● تناست الجمعيات السياسية السنية المتناحرة خلافاتها، خاصة جمعيتي المنبر الإخوانية، والأصالة السلفية، لتقف صفا واحدا في وجه المشروع الصفوي الحاقد، فأصبحت كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا.

 

 ثانيا: عناصر الضعف

1) الدولة الرخوة: يشتكي أهل السنة في البحرين مرّ الشكوى من تخاذل الدولة وميوعتها، وإتــِّباعها لسياسة التراجعات بلا مقابل!
من تجليات هذه السياسة:
● العفو المستمر عن الجناة والمجرمين من خلال ما يُعرف عندنا بـ(المكرمات الملكية)، التي أصبحت مادة للتندر عند أهل السنة. وكذلك تخفيف الأحكام الصادرة ضد الإرهابيين ليتساوى أمام القضاء قاذف المولوتوف مع سارق علبة شكولاتة!!
● إرجاع المتآمرين الذين فصلوا من أعمالهم بعد الأحداث الأخيرة إلى وظائفهم معززين مكرمين!
● غض الطرف عن بعض كبار المتآمرين من أمثال الشيخ عيسى قاسم (رأس الفتنة)، والشيخ علي سلمان رئيس جمعية الوفاق، بينما جرى القبض على بعض قادة الصف الثاني ممن هم أقل خطورة!
نظن أن إتــِّباع هذه السياسة الرخوة ناتج عن عاملين: الاستجابة المفرطة للضغوط الأمريكية، ووجود قناعة فكرية خاطئة لدى بعض مراكز القرار بشأن إمكانية إرضاء الشيعة بالرغم مما فعلوه طوال الثلاثين سنة الماضية!

 

2) سياسة هدم الذات: لم تتعظ السلطة السياسية في البلد مما جرى! ما زال الفساد متمكنا من مفاصل الدولة، ويزداد شراسة يوما بعد يوم. وما زالت بعض أجهزة الدولة تتبع سياسة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها سياسة (هدم الذات).

فوزارة الثقافة مثلا، ما زالت تقيم فعاليتها السنوية (ربيع الثقافة)، التي تتعارض مع كل قيم المجتمع وهوية الشعب وثقافته.

وما زالت إدارة الأوقاف تحاصر الأئمة والمؤذنين السنة وتتعامل معهم بكل عنجهية، وتحاسبهم على كل صغيرة وكبيرة، بينما تغض الطرف عن العمائم الصفوية التي تمارس التحريض على التخريب والإرهاب من فوق منابر المساجد.

 

3) ضعف المنظومة الخليجية: بالرغم من بعض النجاحات التي حققها مجلس التعاون الخليجي في عدة مجالات، إلا أن الأمر يستدعي الانتقال من مرحلة (التعاون) إلى مرحلة (الاتحاد)، كما أعلن ذلك خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في مؤتمر القمة الخليجية بالرياض في ديسمبر 2011م.

ليس للدول الخليجية خيار غير الاتحاد القوي الفعال، وهذا هو الحل المنطقي الوحيد للوقوف أمام إيران وأطماعها التوسعية التاريخية.

إن أهل السنة في البحرين -وقد رأوا تأثير قوات درع الجزيرة- هم أكثر الناس رغبة في هذا الاتحاد.

 

4) فشل محاولة الوحدة العامة للسنة: إذ أن تجمع الفاتح أثبت من خلال الحشد الهائل يوم 21 فبراير 2011م استعداده للتصدي للمشروع الطائفي، لكن (الشلة الفاشلة) من المشايخ والسياسيين الذين استولوا على مقدرات تجمع الفاتح حولوا مساره من تيار عام جارف يضم كل القوى السنية، إلى مجرد جمعية لا تسمن ولا تغني من جوع، أسموها (جمعية تجمع الوحدة الوطنية).

وأصبحت هذه الجمعية مجرد عضو في ائتلاف فضفاض من تسعة جمعيات سنية، تتفق أحيانا وتختلف أحيانا أخرى. وما زال حكماء السنة مطالبون بالعودة إلى الوضع الوحدوي الأمثل الذي ساد أثناء الأزمة.

 

هذه أهم عناصر القوة والضعف لدى أهل السنة، وقد تعرضنا في مقال سابق لأهم عناصر القوة والضعف لدى شيعة البحرين.

إن طبيعة المعركة وخطورتها تفرض علينا أن نعمل قدر الإمكان على تنمية عناصر القوة لدينا، والعمل على تحجيم عناصر القوة لدى العدوّ.

 

فلسفة التعامل مع عناصر القوة وعناصر الضعف