التقريب مع الشيعة والحصاد المر
(1)
في أربعينيات القرن الميلادي العشرين، أرسل كبير كهنة قمّ، آية الله العظمى حسين البروجردي (ت 1962م) أحد كبار معاونيه، وهو الشيخ محمد تقي القمي (ت 1990م) إلى القاهرة، بهدف إيجاد مؤسسة تعمل على (التقريب بين المذاهب الإسلامية)!
وبالفعل، وبعد جهود مكثفة قام بها الشيخ القمي، أُعلن في عام 1947م عن تأسيس (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية).
كان للشيعة هدف واضح من وراء هذا العمل: نشر التشيع، وتشكيك أهل السنة في ثوابتهم.
أما بالنسبة للطرف الثاني (علماء السنة)، فقد كانوا يعانون من مرض عضال وخطير جدا، اسمه مرض الغفلة (فيما يخص الشيعة)!
ركز الشيعة جهودهم على علماء الأزهر، وقادة الدعوة والفكر في مصر حينذاك.
كان هؤلاء العلماء والدعاة من خيرة رجال مصر علما وورعا وخلقا، ولكنهم كانوا يعانون من ذاك المرض القاتل: الغفلة.
ومن أهم الأسماء المتحمسة لفكرة التقريب حينذاك المشايخ محمود شلتوت وعبد المجيد سليم ومحمد المدني، بينما انتبه لخطرها وعارضها الشيخ حسنين مخلوف رحمه الله.
(2)
بدأ نشاط دار التقريب يتسع ويشتهر، وبدأت ملامح سيطرة الشيعة على شئونها واضحة للعيان، فكل ما يصدر عن الدار وعن القائمين على إدارتها يصب في صالح الشيعة حصرا!
فعندما تقرر الدار طبع ونشر كتاب في الفقه، ليجتمع عليه السنة والشيعة، يكون الكتاب المختار هو (المختصر النافع من فقه الإمامية) للشيعي نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي..
وعندما يتم اختيار كتاب في التفسير ليتم الترويج له بين السنة والشيعة، يكون الكتاب المختار هو (مجمع البيان لعلوم القرآن) للشيعي الفضل بن الحسن الطبرسي..
وفي علم الحديث، يتم اختيار كتاب (حديث الثقلين) للشيعي محمد قوام الدين القمي..
كل هذا ومشايخ الأزهر يصولون ويجولون في الدار!
بل الأغرب من كل هذا، أن الدار طبعت كتابا مشهورا من أمهات كتب الشيعة، وهو كتاب (وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) للشيعي الحر العاملي، وطبعت معه إتماما للفائدة(!) كتاب (مستدرك الوسائل) للزنديق الأكبر نوري الطبرسي، الذي هو مؤلف كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب)..
هل تصدقون كل هذا.. في قلب القاهرة، وبحضور أصحاب الفضيلة كبار المشايخ والدعاة؟!
سنقولها للمرة الألف: إنه مرض الركون للغفلة، والاسترسال في السذاجة..
كل هذا تحت مسمى (الوحدة الإسلامية والتقريب بين المسلمين)!
(3)
انتهى نشاط دار التقريب في الستينيات، ولكن بعد أن وقع (الفاس في الراس)!
وواصل الشيعة محاولاتهم المستميتة بعد نجاح ثورتهم الكهنوتية عام 1979م..
وتكون جيل جديد من دعاة التقريب، من العلماء والمفكرين والساسة، كل همهم الوحدة بأي ثمن، والتقريب بأي وسيلة، ولو على حساب العقيدة.
كان تأسيس (دار التقريب) هو البداية الفعلية لما نسميه اليوم (المد الشيعي)، وهذا يعني أن بعض علماء أهل السنة ودعاتهم ومفكريهم وجماعاتهم قد ساهموا من حيث لا يشعرون، في نشر الزندقة والخرافات في مجتمعاتهم.. يا لها من مأساة.
ومن بين المعاصرين الذين يتحملون وزر هذه الجريمة: محمد سليم العوا وفهمي هويدي وطارق البشري وكمال الهلباوي ورفعت سيد أحمد من مصر، وجابر طه العلواني من العراق، وليث شبيلات من الأردن، والشيخ ماهر حمود من لبنان، وحسن الترابي من السودان، وغيرهم كثير.
(4)
كان الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي أحد كبار دعاة التقريب، ومن المخدوعين بالشيعة على مدى أربعين سنة، ثم نوّر الله سبحانه وتعالى بصيرته ووصل إلى الحق وجهر به بكل قوة.
بدأ الشيخ منذ سبتمبر 2008م في التحذير من المد الشيعي، وضرورة تحصين المجتمعات الإسلامي من هذا الخطر.
يقول عن الشيعة: "وخطرهم يكمن في محاولتهم غزو المجتمع السني وهم مهيئون
لذلك بما لديهم من ثروات بالمليارات وكوادر مدربة علي التبشير بالمنهج الشيعي
في البلاد السنية خصوصاً أن المجتمع السني ليست لديه حصانة ثقافية ضد الغزو
الشيعي فنحن العلماء لم نحصن السنة ضد الغزو المذهبي الشيعي لأننا دائماً نعمل
القول (ابعد عن الفتنة لنوحد المسلمين) وتركنا علماء السنة خاوين".
(جريدة المصري اليوم، بتاريخ 9 سبتمبر 2008م)
(5)
أما الأستاذ معتز الخطيب، وهو أحد المتحمسين للتقريب مع الشيعة، فقد وقف هو الآخر وقفة مراجعة وتدبر.
يقول متحدثا عمن كان يعد من أكبر رموز الاعتدال الشيعي المزعوم، آية الله
العظمى محمد حسين فضل الله: "كلما تحدث أحد من علماء الشيعة عن التقريب ذهب
واستشهد واستقوى بفتوى الشيخ شلتوت بجواز التعبد بالمذهب الجعفري وعدّه مذهبا
خامسا يضاف إلى المذاهب السنية الأربعة، لكن لا أحد يقول لنا: بماذا أفتى
الشيعة بالمقابل؟ وحين سألت السيد محمد حسين فضل الله (خلال برنامج الشريعة
والحياة بتاريخ 18 نوفمبر 2007م) هل يجوز التعبد بالمذهب السني عند الشيعة، لم
يجب وراح يتحدث عن المشترك بين السنة والشيعة، وعن الاجتهاد الفقهي، وعن الخطوط
الاجتهادية، ولم يتجرأ على إصدار فتوى مقابلة، بالرغم من أنه سئل هذا السؤال
ثلاث مرات في تلك الحلقة نفسها، وفي كل مرة كان يتكلم في العموميات!".
(محنة التقريب بين السنة والشيعة، ص 203)
(6)
هذا هو الحصاد المر لجهود التقريب، الذي لم يكن إلا تخريبا، إذ لم يكن هناك سوى نشر للتشيع نتيجة لتخطيط ومتابعة وتعب ونصب من قِبل كهنة قم والنجف، يقابل كل ذلك أحلام وردية و(فوق بنفسجية) و(تحت حمراء) من قِبل قادة العلم والفكر والدعوة من أهل السنة والجماعة، الذين نسأل الله تعالى أن ينعم عليهم بما أنعم به على الشيخ الداعية يوسف القرضاوي حفظه الله.