الرسائل البحرينية في المسألة الشيعية (53) :: 21 أبريل 2014م

حتى لا يصيبنا ما أصاب أهلنا بالعراق

ما يتعرض له أهلنا وإخواننا في العراق الشقيق اليوم ومنذ الاحتلال الأمريكي عام 2003م، لا يقل مأساوية عن الوضع الذي ساد مع الاحتلال المغولي عام 1258م. العامل المشترك في الحدثين هو تعاون الشيعة مع الاحتلالين!

 

إن تمكن الشيعة من الإمساك بمفاصل الدولة العراقية لا شك له أسباب خارجية، في مقدمتها التآمر الأمريكي الإيراني، ولكن -وبلا شك أيضا- هناك أسباب داخلية، في مقدمتها سمة الغفلة الشديدة الغالبة على أهل السنة والجماعة تجاه المشروع الشيعي الشعوبي وخطره على المنطقة، وسيادة المنطق الأعوج المرتكز على بعض الخيالات مثل (الأخوّة الإسلامية) بين السنة والشيعة، وتمكن (المنهج الترضوي) من عقول وقلوب النخب السنية المثقفة.

 

يعرّف الشيخ الدكتور طه الدليمي المنهج الترضوي بأنه "ذلك المنهج المتفشي في أوساط أهل السنة، والذي يسلك سبيل التقريب بين دين الإسلام أو السنة ودين الشيعة، مهما كان الثمن: كتماً للحق، وتحريفاً للحقيقة، وتضييعاً للحقوق". (المصدر: موقع القادسية)

وهو منهج يهيمن عليه التعاطي السطحي والتعامل بالمجاملات مع طائفة لا تعتبر نفسها أصلا جزءا من الأمة.. لم تكن يوما جزءا من أمة الإسلام الكبرى، ولن تكون.

 

لننظر كيف تعاطى أهل السنة في العراق مع المسألة الشيعية في العصر الحديث، وذلك على المستويات الثلاث: الطبقة السياسية الحاكمة، والنخب المثقفة من دعاة ومفكرين، وعموم الناس.

 

1) على مستوى الطبقة السياسية الحاكمة

تأسست الدولة الحديثة في العراق عام 1921م، ومنذ ذلك الحين لم يصل إلى سدة الحكم شخص واحد مؤهل للتصدي لدسائس الشيعة ومكرهم، بل كانت المجاملات والمحاولات السطحية لكسب رضا الشيعة هي المنهج المسيطر، ويا له من منهج بائس، فلن يرضى عنا اليهود والنصارى والمجوس حتى نتبع ملتهم.

 

يحدثنا الأستاذ عبد العزيز بن صالح المحمود أنه عندما تم تشكيل أول فوج في الجيش العراقي الحديث في يناير 1921م، أطلق عليه اسم (فوج موسى الكاظم)! كنوع من تودد الحكومة الجديدة للشيعة.. وإرضاءً للشيعة -ولن يرضوا- تم منحهم وزارة المعارف، وظلوا يحتكرون هذا المنصب الخطير طوال الفترة من 1931م إلى 1943م. (انظر: مجلة الراصد، العدد 59)

 

ظلت الغفلة هي سيدة الموقف طوال العقود التالية، حتى جاء حكم (حزب البعث العربي الاشتراكي)، فدخل الشيعة في هذا الحزب أفواجا، وسيطروا على معظم المناصب القيادية الوسطى، وبعض المناصب القيادية العليا، وأصابت (سكرة الفرح) هذا الحزب، الذي ظن أنه قد أذاب الفوارق بين السنة والشيعة تحت راية القومية والعروبة.

استمرت هذه السكرة طوال المدة من 1968م إلى 2003م! إنه لمن الغرابة بمكان، أن الرئيس العراقي صدام حسين خاض حربا بطولية طاحنة ضد الشيعة وإيران، وفي نفس الوقت مكّن للشيعة في الداخل من الوصول إلى أكثر المناصب أهمية وخطورة، فكانت النتيجة وبالا على أهلنا وإخوتنا بعد سقوط النظام.

وكما أطلق الساسة اسم (موسى الكاظم) على أول فوج في الجيش العراقي، أطلق صدام اسم (الحسين) و(العباس) على الصواريخ التي أنتجها منسوخة عن صواريخ سكود، فلم يغني ذلك عنه شيئا.

 

2) على مستوى الدعاة والمفكرين

أصابت هذه المنهجية الخاطئة أيضا بعض النخب المثقفة من دعاة ومفكرين وحركات إسلامية. عندما أراد بعض الدعاة الإسلاميين عام 1960م تأسيس حزب يمثل التيار الإسلامي في العراق، سعوا سعيا حثيثا لضم شخصيات شيعية للحزب، وعرضوا عليهم بعض المناصب القيادية! لماذا؟ قالوا: لتأليف القلوب، ولتحقيق الأخوة الإسلامية والوحدة الوطنية!

 

يقول الداعية الدكتور محسن عبد الحميد، وهو من أقطاب الحركة الإسلامية في العراق: "نحن حزب أممي، إسلاميون نعم ولكن لسنا مذهبيين أو طائفيين، وإنما نحن حزب أممي إسلامي، فعندما تأسس الحزب كان في قيادته الكثير من الإخوة الشيعة والسنة والعرب والكرد" (جريدة المدى العراقية 15 أبريل 2010م)..

وأين كان إخوانكم الشيعة من أصحاب القلوب المؤلَّفة عندما جاء الاحتلال الأمريكي الإيراني؟

الجواب: كانوا يحملون المثقاب الكهربائي (دريل) ليثقبوا بها جماجم (إخوانهم) السنة. يا لها من مأساة.

 

أما الشيخ حارث الضاري، رئيس هيئة علماء المسلمين، فعندما سئل عن علاقته بالتيار الصدري، أجاب: "هناك في الحقيقة تفاهم وانسجام في الأفكار وتلاقي في الأهداف الوطنية وهذا في تقديري أسمى من أي تحالف، لأن التحالف قد يكون مصلحياً، أما الالتقاء في الأهداف فإنه لا يبنى على مصلحة، وإنما يكون مؤسساً على الأهداف السديدة لكل فريق من الفرقاء الذين تجمعهم". (جريدة السبيل الأردنية 15 سبتمبر 2005م)

هذا ما يقوله الشيخ الضاري عن التيار الصدري، الذي له نصيب الأسد من أعمال القتل والتعذيب واغتصاب مساجد أهل السنة. ألم اقل إنها غفلة!

 

3) على مستوى العامّة

وكيف تتصورون حالهم بعد أن علمنا حال الساسة والدعاة والمفكرين والعلماء؟!

 

يروي لنا الدكتور علي الوردي قصة غريبة مفادها أنه في بدايات القرن العشرين، وفي إحدى المناسبات الدينية الشيعية، شكّل أهل السنة موكبا للعزاء واللطم لمشاركة (إخوانهم) الشيعة في مراسم العزاء! فكانت النتيجة إن بعض اللاطمين أصيبوا في اليوم التالي بألم في صدورهم لأنهم لم يتعودوا على لطم الصدور من قبل! (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث 5/227)

 

واليوم، وبعد مرور حوالي قرن على هذا الحدث، لا يزال بعض أهل السنة يخرجون في مظاهرات ترفع صور مقتدى الصدر! أصبحنا أمة تعبد القتلة وتغني للزنادقة!

 

لهذا سقط العراق بأيدي الهمج..

وفي بلادنا البحرين، حماها الله وسائر بلاد المسلمين، هناك مؤشرات واضحة على وجود مثل هذا النهج والسلوك لدى بعض كبار الساسة، وبعض النخب السياسية والمثقفة وبعض الدعاة.. فالحذر الحذر.